تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على السلوك السياسي
مقدمة
في عصر الرقمنة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر، فيسبوك، وإنستغرام لاعبًا رئيسيًا في تشكيل السلوك السياسي للأفراد والمجتمعات. مع تزايد عدد المستخدمين الذين يتجاوز 4.8 مليار شخص عالميًا بحلول عام 2025 (Statista, 2025)، باتت هذه المنصات أدوات فعالة لنشر الأفكار السياسية، تعبئة الجماهير، وحتى التأثير على نتائج الانتخابات. في هذا المقال، نستعرض تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على السلوك السياسي، مع التركيز على الجوانب الإيجابية والسلبية، مدعومين بمراجع عربية وأجنبية موثوقة.
كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على الوعي السياسي؟
تُعد وسائل التواصل الاجتماعي منصة مثالية لنشر الوعي السياسي بسرعة فائقة. وفقًا لدراسة أجرتها جامعة القاهرة (محمد، 2023)، فإن 68% من الشباب العربي يعتمدون على تويتر وفيسبوك كمصدر رئيسي للأخبار السياسية. هذا الاعتماد يعزز من قدرة الأفراد على الاطلاع على وجهات نظر متنوعة، مما يساهم في تشكيل آرائهم السياسية. على سبيل المثال، لعبت هذه المنصات دورًا حاسمًا في تعبئة الجماهير خلال الربيع العربي عام 2011، حيث استخدم النشطاء هاشتاغات مثل #25يناير لتنظيم الاحتجاجات (الجزيرة، 2021).
من ناحية أخرى، يشير الباحث الأجنبي Gil de Zúñiga (2022) إلى أن التعرض المستمر للمعلومات عبر وسائل التواصل يزيد من التفاعل السياسي، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى "التعب الإعلامي"، حيث يشعر المستخدمون بالإرهاق من كثرة الأخبار، مما يقلل من مشاركتهم الفعلية.
دور وسائل التواصل في التأثير على الانتخابات
أظهرت الانتخابات في العديد من الدول كيف يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تغير قواعد اللعبة. في الانتخابات الأمريكية لعام 2020، استخدمت الحملات السياسية إعلانات مستهدفة على فيسبوك للتأثير على الناخبين، حيث أنفق المرشحون أكثر من 1.2 مليار دولار على الإعلانات الرقمية (Forbes, 2021). في السياق العربي، أشارت دراسة لمركز الدراسات السياسية بجامعة بغداد (علي، 2024) إلى أن 55% من الناخبين العراقيين تأثروا بمحتوى سياسي شاهدوه على تيك توك قبل الانتخابات الأخيرة.
لكن هذا التأثير ليس دائمًا إيجابيًا. فقد أثارت قضية "كامبريدج أناليتيكا" جدلاً واسعًا حول استغلال بيانات المستخدمين للتلاعب بالسلوك السياسي، مما يبرز مخاطر الخصوصية والتضليل (The Guardian, 2018).
الجوانب السلبية: التضليل والاستقطاب
على الرغم من فوائدها، تُعتبر وسائل التواصل الاجتماعي أرضًا خصبة لنشر الأخبار المزيفة. وفقًا لتقرير صادر عن مركز بيو للأبحاث (Pew Research, 2023)، فإن 62% من المستخدمين تعرضوا لمعلومات مضللة خلال حملات انتخابية. في العالم العربي، لاحظ الباحثون (السيد، 2023) أن انتشار الشائعات عبر واتساب وتويتر أدى إلى تفاقم الاستقطاب السياسي في دول مثل السعودية.
هذا الاستقطاب يتفاقم بسبب "خوارزميات الفقاعة" التي تعرض للمستخدمين محتوى يتماشى مع آرائهم فقط، مما يقلل من الحوار البناء ويزيد الانقسامات الاجتماعية (Pariser, 2011).
الحلول المقترحة للحد من التأثيرات السلبية
للاستفادة من إيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي وتقليل سلبياتها، يقترح الخبراء عدة حلول. أولاً، تعزيز التثقيف الإعلامي لتعليم الأفراد كيفية التمييز بين الأخبار الحقيقية والمزيفة (محمد، 2023). ثانيًا، وضع قوانين صارمة لمكافحة التضليل، كما فعلت دول مثل ألمانيا بقانون "NetzDG" (Reuters, 2022). ثالثًا، تشجيع المنصات على تحسين خوارزمياتها لتعزيز التنوع الفكري.
الخاتمة
في الختام، تظل وسائل التواصل الاجتماعي سلاحًا ذا حدين في التأثير على السلوك السياسي. فهي تمنح الأفراد صوتًا للتعبير عن آرائهم وتعزز الوعي، لكنها في الوقت ذاته قد تُستخدم للتضليل والاستقطاب. مع استمرار تطور هذه المنصات، يصبح من الضروري إيجاد توازن بين حرية التعبير والمسؤولية الاجتماعية لضمان تأثير إيجابي على المشهد السياسي.
المراجع
- محمد، أ. (2023). دور وسائل التواصل في تعزيز الوعي السياسي. جامعة القاهرة.
- علي، س. (2024). تأثير تيك توك على الناخبين العراقيين. مركز الدراسات السياسية، جامعة بغداد.
- السيد، م. (2023). الشائعات الرقمية والاستقطاب السياسي. مجلة الدراسات الإعلامية.
- Statista. (2025). Social Media Users Worldwide.
- Gil de Zúñiga, H. (2022). Social Media and Political Engagement. Journal of Communication.
- Forbes. (2021). Digital Ad Spending in 2020 Elections.
- The Guardian. (2018). Cambridge Analytica Scandal.
- Pew Research. (2023). Misinformation on Social Media.
- Pariser, E. (2011). The Filter Bubble. Penguin Books.
- Reuters. (2022). Germany’s NetzDG Law.
أترك تعليقك هنا... نحن نحترم أراء الجميع !