عدم الرغبة في تحمل المسؤولية لدى طلاب المدارس: لماذا يقول «مش أنا» حتى لو الكتاب مقطّع بيده؟

عدم الرغبة في تحمل المسؤولية لدى طلاب المدارس: لماذا يقول «مش أنا» حتى لو الكتاب مقطّع بيده؟

أ. تعريف عدم تحمل المسؤولية وأشكاله اليومية في المدرسة
  • عدم تحمل المسؤولية هو رفض الطالب الاعتراف بفعله أو تقبل نتيجته الطبيعية، سواء بالكذب، اللوم، التجاهل أو الهروب.
  • تجلياته الشائعة: «أنا ما كسرت الزجاج»، «الواجب ضاع»، «صديقي هو اللي رسم على الجدار»، «ما كنت أعرف إنه ممنوع».
  • ظاهرة «الإنكار المزمن» أصبحت منتشرة حتى في الأطفال الأذكياء جداً.
  • الفرق بين «الخطأ العادي» و«الهروب المرضي من المسؤولية» يكمن في التكرار والبرود العاطفي.

ب. الأسباب الخفية التي نصنعها نحن الكبار دون أن نشعر
  • التربية الزائدة في الحماية (Helicopter Parenting) تجعل الطفل يعتقد أن هناك دائماً من ينقذه.
  • حل المشكلات بدلاً عن الطفل: الأم تكتب الواجب، الأب يعتذر للمعلم، الخادمة ترتب الحقيبة.
  • الخوف المبالغ من الفشل في البيت يجعل الطفل يهرب من أي موقف قد يفشل فيه.
  • ثقافة «الدلع المبرر» التي انتشرت في السنوات الأخيرة تحول الطفل إلى مستهلك لا منتج.
  • انتشار مقولة «هو لسة صغير» حتى سن 15 سنة يؤخر نمو «الضمير الأخلاقي».
ج. علامات التحذير المبكرة التي تظهر في المدرسة
  • يلوم زملاءه فوراً عند أي مشكلة حتى لو كان هو الوحيد في المكان.
  • لا يشعر بالحزن أو الندم عندما يُكشف كذبه.
  • يرفض تسليم الواجب بحجة «نسيت» أكثر من 3 مرات متتالية.
  • يطلب من المعلم «تعيدي الامتحان» عندما يرسب بدلاً من إعادة المذاكرة.
  • يترك القمامة مكانها ويقول «عامل النظافة موجود».
د. حلول منزلية بسيطة لكنها جذرية غيّرت حياة آلاف الأسر
  • تطبيق «قانون النتيجة الطبيعية»: تركت الكتب في المطر؟ لا تشتري جديدة إلا من مصروفه الخاص.
  • لعبة «صندوق المسؤوليات الأسبوعي»: كل طفل يكتب 5 مهام صغيرة ويختار مكافأة واحدة إذا أنجزها كلها.
  • جلسة «مجلس العائلة» كل جمعة مساءً: كل فرد يقول ماذا فعل وماذا سيتحمل الأسبوع القادم.
  • منع «الإنقاذ التلقائي»: إذا نسي الكتاب لا نأخذه له، يتعلم أن النسيان له ثمن.
  • تعليق لوحة «أنا فعلت» في المنزل: يضع الطفل صورة أو ملصقة لكل إنجاز صغير (رتب سريره، ساعد أخاه).
ه. استراتيجيات المعلم التي تنجح فعلاً داخل الفصل
  • نظام «البطاقات الثلاث»: بطاقة خضراء للسلوك المسؤول، صفراء تحذير، حمراء نتيجة طبيعية (يجلس وحيداً 5 دقائق).
  • مشروع «أنا مسؤول عن الفصل اليوم»: طالب واحد يتولى توزيع الأوراق، قياس الضوضاء، تذكير الزملاء بالقوانين.
  • دفتر «يوميات المسؤولية»: كل طالب يكتب في نهاية اليوم جملة واحدة «اليوم تحملت مسؤولية …».
  • قاعدة «لا أعتذر بدلاً منك»: إذا أخطأ الطفل يذهب بنفسه للاعتذار لزميله أو المعلم.
و. ألعاب وأنشطة تربوية ممتعة تبني حس المسؤولية تلقائياً
  • لعبة «الكرسي الموسيقي المسؤول»: من يبقى بدون كرسي يختار مهمة لخدمة الفصل (مسح السبورة، ترتيب المكتبة).
  • تحدي «48 ساعة بدون كذبة واحدة»: الطالب الذي ينجح يحصل على لقب «فارس الصدق» أمام الجميع.
  • صندوق «الأسرار المسؤولة»: يكتب الطفل سراً صغيراً عن خطأ ارتكبه ثم يقرأه بنفسه ويختار كيف يصلحه.
  • لعبة «أنا والظل»: طالب كبير يرعى طالب صغير لمدة أسبوع ويتحمل مسؤوليته كاملة.
ز. متى تكون المشكلة أعمق وتحتاج تدخل متخصص؟
  • إذا استمر الكذب المزمن مع سرقة أو تخريب متعمد.
  • إذا ظهر خوف مرضي من الفشل يصل للقلق والاكتئاب.
  • إذا كان الطفل يعاني اضطراب الشخصية النرجسية المبكرة (نادر لكنه موجود).
  • عند وجود تاريخ عائلي لاضطرابات الشخصية أو الإدمان.
ح. قصص نجاح حقيقية من مدارس وأسر عربية
  • مدرسة في دبي طبقت «مجلس الطلاب المسؤول» فانخفضت شكاوى الكذب من 120 إلى 9 حالات في فصل واحد.
  • أم في الكويت تركت ابنها يدفع ثمن الآيفون المكسور من مصروفه لمدة 4 أشهر، فلم يكسر شيئاً بعدها أبداً.
  • معلم في بيروت حوّل أكثر طالب كذباً إلى «مراقب الصدق» في الفصل، فأصبح هو أول من يكشف الكذب ويفتخر بذلك.
بصفتي قارئ ومطلع للعديد من الكتب والأبحاث والدراسات المختلفة في علم النفس التنموي وعلم الاجتماع التربوي على مدى سنوات طويلة، أرى أن أخطر ما نواجهه اليوم هو فقدان جيل كامل لمفهوم «الثمن». الطفل الذي لا يدفع ثمن أفعاله لا يتعلم أبداً أن الحياة عادلة وأن لكل اختيار نتيجة. أنا مقتنع تماماً أن أجمل هدية نعطيها لأطفالنا ليست الراحة ولا الدلع، بل أن نعلمهم أن يكونوا أصحاب قراراتهم ونتائجها. عندما نترك الطفل يواجه نتيجة فعله بحب وهدوء، نكون قد بنينا داخله إنساناً قوياً، صادقاً، واثقاً من نفسه. المسؤولية ليست عبء، هي مفتاح الحرية الحقيقية.
تعليقات