الرجولة المفقودة في زمن الوهم الاجتماعي: كيف يتحول الرجل إلى ظلٍّ ناعم دون أن يشعر؟

الرجولة المفقودة في زمن الوهم الاجتماعي: كيف يتحول الرجل إلى ظلٍّ ناعم دون أن يشعر؟
المقال يغوص في ظاهرة باتت تتسلل إلى نسيج المجتمعات العربية بصمت مرعب، ظاهرة لا تُعلن عن نفسها بصراخ، بل بابتسامة خجولة، بنبرة مترددة، بحركة يد أكثر ليونة من اللازم. إنها الميوعة، ذلك السلوك الذي يجعل الرجل يبدو كأنه يسير على حبل مشدود بين هويته وصورة مزيفة يفرضها عليه الواقع.أ. جذور الظاهرة: من أين تنبت شجرة الميوعة في تربة الرجل؟الإنسان لا يولد ميتاً رجولياً، بل يُصنع. الطفولة هي المختبر الأول، والأسرة هي الكيميائي.
  • الأم الحاضنة أكثر من اللازم تحول الابن إلى امتداد عاطفي لها، فيتعلم أن يبكي بدلاً من أن يواجه، ويشتكي بدلاً من أن يحل.
  • غياب الأب الفعلي، سواء بالسفر أو الانشغال أو الضعف، يترك فراغاً يملأه التلفاز والإنترنت بصور الرجل "الحساس" الذي يبكي في الأفلام ويغني بالدموع.
  • المدرسة التي تعاقب على "الخشونة" وتكافئ على "اللطف المفرط"، فتُنتج جيلاً يخاف من رفع صوته خوفاً من وصفة "عدواني".
ب. العلامات الخفية: كيف تعرف أن الرجل بدأ يفقد صلابته دون أن يدرك؟ليست الميوعة في ارتداء الوردي أو وضع الكريم، بل في تفاصيل أعمق تتسلل إلى الروح.
  • يتجنب المواجهة حتى في أبسط الأمور، يفضل الصمت على قول "لا" واضحة.
  • يبالغ في الاهتمام بمظهره لدرجة أن المرآة تصبح صديقه الأقرب، بينما يهمل بناء جسد قوي أو عقل حاد.
  • يستخدم لغة الجسد الأنثوية دون وعي: يحرك يديه كثيراً أثناء الحديث، يجلس بطريقة متراخية، يخفض نظره عند التحدث مع الرجال الأقوى.
  • يفضل الشكوى على الحل، يروي قصص فشله كأنها إنجاز، يبحث عن التعاطف بدلاً من النصيحة.
ج. التأثيرات المجتمعية: كيف تدفع الميوعة المجتمع نحو الانهيار الناعم؟المجتمع ليس مجموع أفراد، بل نسيج متصل. عندما يضعف الرجال، يتهاوى كل شيء بهدوء.
  • الأسرة تفقد قائدها، فتصبح الأم هي الحاكم الفعلي، والأبناء ينشأون بلا نموذج ذكوري واضح.
  • الاقتصاد يعاني عندما يفضل الشباب الوظائف "الناعمة" ويتركون المهن الشاقة للأجانب.
  • الأمن القومي يتضرر عندما يصبح الجندي أكثر اهتماماً بمظهره من تدريبه، والشرطي يخاف من المواجهة.
  • الثقافة تنهار عندما يسيطر "الرجل الحساس" على الإعلام، فيصبح البكاء بديلاً عن الفعل، والشكوى بديلاً عن التغيير.
د. الجانب النفسي: لماذا يختار الرجل الميوعة كملاذ آمن؟الخوف هو المحرك الأول. الرجل المعاصر يواجه ضغوطاً لم يعرفها أجداده.
  • الخوف من الفشل يدفعه لتجنب المخاطرة، فيختار الطريق الآمن الناعم.
  • الخوف من الرفض يجعله يبالغ في إرضاء الآخرين، حتى لو كلفه ذلك كرامته.
  • الخوف من المسؤولية يدفعه للهروب إلى عالم الألعاب والسوشيال ميديا، حيث لا قائد ولا تابع.
  • الاكتئاب المقنع يجعله يعتقد أن "الحساسية" هي علاج، بينما هي في الحقيقة استسلام.
ه. الحلول العملية: كيف يستعيد الرجل رجولته خطوة بخطوة؟الرجولة ليست موهبة، بل مهارة تُكتسب بالتدريب اليومي.
  • ممارسة الرياضات القتالية ليس لبناء العضلات فقط، بل لتعلم تحمل الألم والصمود.
  • تخصيص ساعة يومية للقراءة في سير الرجال العظماء، ليس للتقليد، بل لاستلهام روح المبادرة.
  • تحمل مسؤولية مالية مبكرة، حتى لو كانت بسيطة، لأن الرجل الذي لا ينفق من جيبه لا يملك قراراته.
  • تعلم مهارة يدوية شاقة (نجارة، ميكانيكا، بناء) لأن اليد التي لا تعمل لا تقود.
  • بناء دائرة صداقات من الرجال الأقوى، لأن الرجل يصبح متوسط من يحيطون به.
و. الدور الإعلامي: كيف يصنع الإعلام رجالاً من ورق؟الإعلام ليس مرآة، بل مصنع. يأخذ الطين ويشكله كما يشاء.
  • الأفلام التي تصور الرجل "الحقيقي" كمجرم أو متخلف، بينما البطل هو الشاب الحساس الذي يبكي ويغني.
  • الإعلانات التي تجعل الرجل يهتم بالكريمات أكثر من اهتمامه بمستقبله.
  • برامج الواقع التي تكافئ الدراما العاطفية وتعاقب على القوة.
  • السوشيال ميديا التي تحول الرجل إلى صورة، يقيس قيمته بعدد اللايكات لا بإنجازاته.
ز. التجارب العالمية: ماذا فعلت شعوب أخرى لاستعادة رجولتها؟اليابان بعد الحرب العالمية الثانية كادت تفقد هويتها، لكنها عادت بقوة.
  • إعادة إحياء فنون الساموراي كجزء من التربية المدرسية.
  • برامج تدريب الشباب في الجبال لمدة شهر كامل بلا تكنولوجيا.
  • تشجيع الزواج المبكر والإنجاب كواجب وطني.
  • كوريا الجنوبية التي فرضت الخدمة العسكرية الإجبارية لمدة سنتين، فأعادت تشكيل جيل كامل.
ح. دور المرأة: هل تساهم المرأة في صناعة الرجل الناعم؟المرأة ليست بريئة تماماً. اختياراتها تشكل السوق.
  • تفضيل الشاب "الرومانسي" الذي يهتم بتفاصيل عيد ميلادها على الرجل القائد.
  • تشجيع الابن على البكاء بدلاً من الصمود، لأن "قلبها يعتصر".
  • الضغط على الزوج ليكون "صديقاً" بدلاً من قائد، فتفقد احترامها له تدريجياً.
  • المقارنة المستمرة بين الزوج و"الرجال الآخرين" في الأفلام والمسلسلات.
ط. المستقبل: هل يمكن إنقاذ جيل بأكمله من الميوعة؟الجيل الحالي ليس ضحية، بل نتيجة. لكن النتائج قابلة للتغيير.
  • إنشاء معسكرات شبابية صيفية تركز على القيادة والصمود.
  • دمج مواد دراسية عن "القيم الذكورية" في المناهج بطرق عصرية.
  • دعم المشاريع الريادية الصغيرة للشباب ليثبتوا قدرتهم على تحمل المسؤولية.
  • إطلاق حملات إعلامية تعيد تعريف الرجولة كقوة داخلية لا مظهر خارجي.
رأيي الشخصيككاتب عاصر ثلاثة أجيال، أرى أن الميوعة ليست مرضاً نفسياً بقدر ما هي استسلام جماعي للراحة. الرجل الذي يختار أن يكون ناعماً ليس ضحية، بل مشارك في تدمير هويته. لكنني متفائل. رأيت شاباً في الثلاثين تحول خلال سنة واحدة عندما قرر قطع علاقته بالسوشيال ميديا وبدأ العمل في ورشة ميكانيكا. عاد إليه صوته، وقفته، قراره. الرجولة ليست في اللحية أو العضلات، بل في القدرة على قول "أنا مسؤول" دون تردد. المشكلة ليست في الجيل، بل في غياب النماذج. إذا أردنا إنقاذ أبنائنا، فلنبدأ بأنفسنا. الرجل الحقيقي لا يشتكي من الزمن، بل يصنع زمنه.
تعليقات