العنف الأسري في ظل الحجر الصحي

أدت جائحة كوفيد-19، التي بدأت في أواخر عام 2019، إلى فرض إجراءات الحجر الصحي والعزل الاجتماعي في معظم دول العالم، بهدف الحد من انتشار الفيروس. ورغم أن هذه التدابير كانت ضرورية من الناحية الصحية، إلا أنها ساهمت في تفاقم ظاهرة العنف الأسري، حيث وجد الضحايا أنفسهم محاصرين مع المعتدين في مساحات محدودة لفترات طويلة. في هذا المقال، سنناقش زيادة حالات العنف الأسري خلال فترات العزل الاجتماعي، مع تحليل الأسباب والتداعيات، مستندين إلى مراجع موثوقة.


دراسة زيادة حالات العنف الأسري خلال فترات العزل الاجتماعي


1. ارتفاع معدلات العنف الأسري 

أظهرت التقارير العالمية زيادة ملحوظة في حالات العنف الأسري خلال الحجر الصحي. تقرير صادر عن الأمم المتحدة للمرأة (UN Women) عام 2020 وثّق ارتفاعًا بنسبة 20-30% في التقارير المسجلة للعنف المنزلي في دول مثل فرنسا، الهند، والأرجنتين خلال الأشهر الأولى من الجائحة. هذا الارتفاع يعكس الضغوط الناتجة عن العزل وتفاقم التوترات داخل الأسر.


2. أسباب الزيادة: الضغط الاقتصادي والنفسي  

ساهم فقدان الوظائف وانخفاض الدخل خلال الجائحة في زيادة التوتر الأسري. دراسة نُشرت في مجلة "The Lancet" عام 2021 أشارت إلى أن البطالة والقلق المالي كانا من العوامل الرئيسية التي أدت إلى تصاعد العنف، خاصة في الأسر ذات الدخل المنخفض. كما أن العزل الاجتماعي زاد من الشعور بالعزلة والإحباط، مما أشعل الصراعات الداخلية.


3. صعوبة الوصول إلى المساعدة  

خلال الحجر الصحي، واجه الضحايا صعوبات في طلب الدعم بسبب القيود على الحركة وإغلاق العديد من مراكز الإيواء. تقرير من منظمة الصحة العالمية (WHO) لعام 2020 أوضح أن الخطوط الساخنة للإبلاغ عن العنف شهدت زيادة في الاتصالات، لكن الاستجابة كانت محدودة بسبب نقص الموارد والعاملين أثناء الجائحة.


4. تأثير العزل على الأطفال 

لم يقتصر العنف على الشركاء، بل امتد ليشمل الأطفال الذين أصبحوا شهودًا أو ضحايا مباشرين. دراسة أجرتها "Save the Children" عام 2021 وجدت أن الأطفال في الأسر التي تعاني من العنف خلال الحجر الصحي أظهروا ارتفاعًا في مستويات القلق والاكتئاب بنسبة 40% مقارنة بفترات ما قبل الجائحة.


5. التفاوت بين المناطق  

اختلفت حدة الظاهرة بين الدول بناءً على السياق الاجتماعي والاقتصادي. في الدول النامية، مثل نيجيريا، أدى ضعف البنية التحتية للدعم الاجتماعي إلى تفاقم الأزمة، بينما شهدت دول مثل السويد، التي تمتلك شبكات أمان قوية، زيادة أقل في الحالات، وفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2022.


أمثلة واقعية

- إسبانيا: سجلت زيادة بنسبة 23% في مكالمات الطوارئ المتعلقة بالعنف الأسري خلال الأسابيع الأولى من الحجر في مارس 2020.

- البرازيل: أفادت التقارير بارتفاع حالات العنف ضد النساء بنسبة 50% في بعض الولايات خلال العزل الاجتماعي.


التحديات والحلول

من أبرز التحديات التي واجهت الضحايا خلال الحجر الصحي: محدودية الوصول إلى الملاجئ، وانخفاض الوعي بخدمات الدعم المتاحة. لمواجهة ذلك، أطلقت دول مثل إيطاليا حملات توعية عبر الإنترنت وأرقام طوارئ سرية يمكن استخدامها من المنزل. تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2021 دعا إلى تعزيز الخدمات الرقمية والدعم النفسي للضحايا في أوقات الأزمات.


الخلاصة

كشف الحجر الصحي عن تفاقم العنف الأسري كنتيجة للضغوط الاقتصادية والنفسية وانعدام الحركة، مما جعل المنزل مكانًا غير آمن للكثيرين. هذه الزيادة تؤكد الحاجة إلى استراتيجيات استباقية تشمل تعزيز شبكات الدعم، توفير قنوات تواصل آمنة، وزيادة الوعي المجتمعي. الحجر الصحي لم يكن مجرد أزمة صحية، بل كان اختبارًا لقدرة المجتمعات على حماية أفرادها في ظروف استثنائية.

المراجع

1. UN Women. (2020). *The Shadow Pandemic: Violence Against Women During COVID-19*.

2. Peterman, A., et al. (2021). "Pandemics and Violence Against Women and Children." *The Lancet*.

3. World Health Organization (WHO). (2020). *COVID-19 and Violence Against Women: What the Data Shows*.

4. Save the Children. (2021). *The Hidden Impact of Lockdowns on Children*.

5. World Bank. (2022). *Social Protection Responses to Domestic Violence During Crises*.

تعليقات